أثر رجعي لا يُحتمل

“فقدت السيطرة، تؤذيني جداً نظرات الريبة المرتسمة على محيا صغيري عند الحديث معي، ومؤشرات الحذر من زميلات العمل عند محاورتي. إن نسبة تفاديّ الصدامات الشخصية أصبحت ضئيلة جداً، أعيش هذا الوجع بشكل متكرر، مرات عديدة وبأثر رجعي لا يُحتمل..”  كان هذا اقتباساً بتصرف من استشارة إحداهن عن معاناتها الظاهرة مع الغضب وسرعة الاستثارة.

إن الغضب انفعال نافذ تأثيره يصل للآخرين بشكل مباشر أكثر من أية انفعال آخر. يؤثر بشكل كبير في القدرة على اتخاذ القرارات وفي القدرة على الحوار بشكل فعال. كما يعد الغضب من أكثر الانفعالات ارتباطاً بالخسارة، خسارة علاقات، خسارة مواقف… الخ. ورغم أن الغضب انفعال غريزي طبيعي للأحداث المثيرة لكن هذا الانفعال يحتمل شقين: إما أن يكون متعقلاً ويمكن إدارته بطريقة تضمن المحافظة على العلاقات مع عدم ضياع الحقوق، وإما أن  يكون حاد غير متعقل وذلك عندما يتم إدراك الأحداث بطريقة غير عقلانية فيتبع ذلك ردود فعل فسيولوجية عالية وسلوكيات مؤذية.

وقد يُلاحظ أن انفجارات الغضب التي تبدأ قوية ثم تقل شدتها أمر شائع لدى أغلب الناس لكن تلك ليست الصورة الوحيدة فقط فالأشخاص في تعبيرهم عن غضبهم  يمكن تصنيفهم عبر خط متصل إلى خمس مجموعات:

– المجموعة الأولى: يقوم الأفراد فيها بكبت غضبهم في داخلهم وينكرون أنهم في حالة غضب ويحاولون دفن وتغطية مشاعرهم، وهذا النوع يؤدي إلى العديد من المشكلات الانفعالية والأعراض الجسمية على المدى البعيد.

-المجموعة الثانية: يميل الأفراد فيها إلى السلبية والإنسحاب من التفاعلات الاجتماعية أو اللجوء إلى الاستجابات السلبية كرد فعل لغضبهم عن طريق عزل أنفسهم انفعالياً مثل المراهق الذي يعبر عن غضبه تجاه أسرته بالعزلة ورفض أداء الواجبات.

– المجموعة الثالثة: الأفراد في هذه المجموعة يستخدمون أساليب اللوم في التعبير عن الغضب بإسقاطه على شخص آخر. أي بالتركيز على طرف ثالث والابتعاد عن المشكلة  الأساسية مثل الأب الذي يلوم أبناءه وزوجته على ما يعانيه من ضغوطات في العمل.

– المجموعة الرابعة: الأفراد في هذه المجموعة يعبرون عن غضبهم من خلال السلوك العدواني والعنف وترك الحرية لأنفسهم في التعبير عن غضبهم بطريقة تؤذي الذات والآخرين، يطلق عليهم (الانفجاريين).

المجموعة الخامسة: الأفراد في هذه المجموعة يستخدمون مهارات جيدة في التواصل للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم.

من خلال ما سبق قد نستطيع تفسير اختلاف انفعال الغضب بين الأشخاص لكن أحدهم قد يتسأل ما التفسير لاختلاف الشخص الواحد في تعبيره عن غضبه من موقف لآخر. يمكن عزو ذلك لأربعة عوامل: أولها مدى التهديد أو الأذى الذي يتعرض له، هنالك فرق بالتأكيد بين أن يسخر أحدهم من آخر على انفراد وبين أن يسخر منه بين أصدقائهم مثلاً – ثانياً سبب الأذى أو الإحباط، هل هو متعمد أو غير مقصود – ثالثاً درجة توقع المثير، كأن ينسى زميلك إغلاق نافدة المكتب مرة عكس أن تكون معتاد على تركه لها مفتوحة كل مرة – وأخيراً الحالة الانفعالية لحظة حدوث ما يستدعي الغضب.

إن تعبيرك عن غضبك عزيزي القارئ قد يكون وسيلة إيجابية (المجموعة الخامسة) تساعدك على التخلص من الضغط عند التعرض لإساءات عاطفية أو جسدية إلا أن ميلك الدائم إلى إدراك العديد العديد من المواقف على أنها مزعجة أو محبطة تجعلك أكثر إثارة للمشكلات وأكثر إيذاءًا للذات، فضلاً عن كونها مؤشراً لضرورة البحث عن محفزات هذا الميل. 

رفعة السبيعي

رفعة السبيعي

أخصائي نفسي اكلينيكي​