نقص السكينة المكتسب

– ماذا لو ادركت أنك مبعث ارتباك وتوتر لأحدهم.. هل ستتوقف؟
– ماذا لو ادركت أنك قد ساهمت في قض مضجعه، وسلب سكينته.. هل ستتوقف؟
– ماذا لو ادركت أنك عاملاً مساعداُ في تشتيت فكره، وزيادة ارتيابه.. هل ستتوقف؟

إن العالم اليوم يمر بلحظات حرجه جداً، كورونا العابر للحدود لم يكتف بانتهاكه الحدود الفيزيقية والمادية بل ذهب لما هو أبعد من زعزعة أجساد، واقتصاد، ومجتمعات.

وإبان غمرة الأحداث الأخيرة كلنا يعي أن غزارة المعلومات حول الأزمة يكاد تفشيها يفوق تفشي الفايروس بمراحل، وهذا بطبيعته قد يجعل الفرد يقع تحت وطأة الحالة المعلوماتية الراهنة ويصبح أكثر تطلعاً لاكتشاف المزيد ومشاركته الآخرين. لكن هل رغبة المشاركة هذه في مكانها الصحيح؟

 تخيل معي عزيزي القارئ تفعيلك لجميع تنبيهات أخبار فايروس كورونا الجديد على مدار الساعة ثم ما إن تنتهي من مطالعتها في كل مرة حتى تشاركها العائلة ولكن ليس نقلاً مجرداً بل مصحوباً بالتأويلات والتفسيرات والمبالغات، وبالعديد العديد من التوقعات، ربما عن تدهور الأوضاع مستقبلاً، أو ازدياد عدد الوفايات  … ألخ، وكل هذا يتم بحضور ذلك الفرد القلق سواء ابنك أو والدتك أو حتى جدك، الذي قد لا يسمح له قلقه أن  يفقه من مجمل الحوار إلا نبرة الهلع والذعر المهيبة، ولا من ماهية الموقف إلا ملامح الوجل والخشية، إن هذا الأمر الذي قد ينعكس ويصل بطريقة أو بأخرى لذوي الدرجة المرتفعة من القلق في هذه العائلة وغيرها من العائلات، يقودني للحديث عن التأثيرات السلبية للأزمة على الصحة النفسية لديهم، بل وبشكل أكثر تحديداً عن القلق كاستجابة مستثارة.

إن القلق السمة هو استعداد مكتسب يظل كامناً حتى تنشطه منبهات داخلية أو خارجية (كالأحداث التي يمر بها العالم أجمع حالياً)، أي أنه استجابة بعيدة المدى لكنها قد تنشط وتستثار مع الأوضاع الضاغطة والتي تدرك كمصادر تهديد. نحن هنا لا نتحدث عن القلق الذروة كاضطراب أو مشكلة في مراحلها المصنفة بل عن القلق السمة تلك السمة التي غالباً ما تستمد أصولها من خبرات طفولية مبكرة وتظل ثابتة نسبياً في مراحل العمر التالية.

ويمكننا تمييز الأفراد ذوي الدرجة المرتفعة في القلق من خلال ما تظهره سلوكياتهم عن  حسهم العالي للضغوط، وحديثهم عن تقديرهم السيء لقدراتهم على احتواء الأزمات، وقبل كل ذلك أساليب تعاملهم فيما سبق مع المنغصات اليومية والمشكلات، كما أنك ستلاحظ أن ما تشاركه إياهم من أخبار قد ينتهي قلقك منها بعد فترة قصيرة لكن بالنسبة لهم قد يستمر إحساسهم بذلك طوال اليوم فيؤثر سلباً في تفكيرهم، ومشاعرهم، وعلى إثر ذلك قد يسيّر سلوكياتهم.

ولأنه في ظل الظروف الحالية تزداد احتمالية استقبال هذه الفئة لأي معلومة متعلقة بالفايروس بشكل مختلف وفقاً لما سبق. أنت يمكنك أن تلاحظهم وتلعب دوراً هاماً في تخفيض قلقهم وعدم تحفيز مشاعر التوتر لديهم بل يمكن أن تحول من تحّول هذه الاستجابة مستقبلاً إلى نوبة أو اضطراب، لذا أرجو منك الحرص على أن يكون أسلوبك في مشاركة المعلومات عقلانياً  يغلب عليه الموضوعية والحكمة والتطمين، بل وأن تحرص عند وجودهم على عدم تداول الأخبار بكثرة واستبدالها بالحديث عن الأنشطة وغيرها من الموضوعات.

رفعة السبيعي

رفعة السبيعي

أخصائي نفسي اكلينيكي​